أولاً- الشفقة بالذات Self-Compassion:

1 ِ تعريف الشفقة بالذات
يقول شارون سالزبيرج Sharon Salzberg في كتابه “قوة الحنو أو العطف The Force of Kindness” يفضي حبنا لأنفسنا إلى إعلامنا بقدراتنا على الصمود والشفقة والتراحم والتفهم لذواتنا بما يعني أننا بالفعل على قيد الحياة”.

ولا تعني “الشفقة بالذات Self-compassion” أسف الشخص وأساه على ذاته ورثائه لها أو الإشفاق على الذات self-pity، بل تعني الشفقة بالذات ببساطة أن يقيم الشخص علاقة مع ذاته قائمة على التقبل والتفهم والتواد والتصالح والتسامح مع الذات ورعايتها.

من جانب آخر فإن الشفقة بالذات ليست علامة من علامات الضعف، بل تعني أن يكون الشخص وصيًا على ذاته محبًا لها رحيمًا بها وأن يتعامل مع ذاته بنفس الطريقة التي يتعامل بها من أفضل أصدقائه.
ويعد الشفقة بالذات مفهومًا حظى بانتشار وشهرة واسعة في أدبيات مجال علم النفس والصحة النفسية في العقد الأخير خاصة مع اعتباره عاملاً أساسيًا في الصحة الجسمية والانفعالية.

وتُعْرَفُ الشفقة بالذات بأنها “طريقة سوية في تعامل الشخص مع نفسه قائمة على التقبل والتفهم والتواد والتسامح مع الذات في أوقات المعاناة خاصة إذا كانت هذه المعاناة دالة أو ناتجة عن الإخفاق، إدراك القصور والنقص والضعف، أو متاعب الحياة وصعوباتها.

وإذا وضعنا في اعتبارنا ارتفاع معدلات حدوث ما يمكن تسميته “الاحتراق النفسي” بين العاملين في قطاع تقديم الرعاية والخدمات الطبية والصحية والتي يزداد فيها مستويات المشاق والمتاعب وتتعدد فيها مصادر الضغوط يوصي عديد من المتخصصين في هذا المجال بالاستفادة من الفنيات التي طورتها كريستين نيف Dr. Kristin Neff في سياق بحوثها عن “الشفقة بالذات” وتطبيق نتائج دراساتها على العاملين في قطاع مهن المساعدة ومنها التخصصات والمهن الطبية لتمكين العاملين فيها من رعاية أنفسهم والرأفة بها بما قد يترتب على ذلك من تأثيرات نفسية وجسمية إيجابية.

فقد خلصت نتائج دراسات د. كريستين نيف وزملاؤها والتي تناولت تأثيرات الشفقة بالذات على الصحة النفسية والجسمية إلى تقديم أدلة تفيد أن للشفقة بالذات علاقات ارتباطية جوهرية موجبة بالهناء في الحياة أو طيب الحياة كما يعبر عن ذلك بالمؤشرات الإيجابية في المجالات التالية: الصحة النفسية، الذكاء الانفعالي، مفهوم الذات، صورة الجسم، الدافعية، العلاقات بين الشخصية السوية والودية، والوصول بالشخص إلى حالة الطمأنينة والهدوء والسلام خاصة مع كف أو تهدئة عمل الجهاز العصبي السمبتاوي.

على الجانب الآخر وجد أن انخفاض مستوى الشفقة بالذات يرتبط بعديد من ملامح الاعتلال النفسي أو الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق والكرب أو المشقة، علاوة على التنبيه على أن انخفاض معامل الشفقة بالذات يعد عامل خطورة يزداد معه توجه الشخص لنقد ذاته وتوبيخها ودخوله في دوامة التفكير الاجتراري للأحداث والذكريات السلبية، علاوة على كبت الأفكار والمشاعر والحذر والخوف من المستقبل ومن المجهول مع توقع الخطر على الدوام.

2- الشفقة بالآخرين والرقة معهم والرأفة بهم والتراحم معهم مكونًا أساسيًا في المهنة الطبيةCompassion for Others as a Fundamental Component of the Medical Profession:


لا يختلف توجه الشخص نحو الرأفة بذاته والشفقة بها والتراحم معها عن توجهه نحو الرأفة بالآخرين والشفقة بهم والتراحم معهم، وكل ما عليك لفهم دلالة هذا التعبير أن تفكر قليلاً فيما تعنيه كلمة “الشفقة” وبماذا تشعر به عند سماعها وممارستها ويمكن تنظيم عناصر الاستنتاجات التي قد تتوصل إليها من مثل هذا التفكير فيما يلي:

أ‌- أولاً- لكي تشعر وتمارس الرقة والرأفة والشفقة بالآخرين عليك أولاً أن تلاحظ وتدرك معاناتهم أي أنهم في موقف صعب ويمرون بخبرات شاقة أو في وضعية معاناة وتعب وكدر أو مشقة. وإذا تجاهل العاملون في قطاعات الرعاية الصحية والطبية ملامح المعاناة والمشقة التي تتبدى على المرضى لا يمكن بأي حال من الأحوال التعاطف معهم والشفقة بهم أو التراحم معهم. إذ أن الخطوة الأولى في تخليق مشاعر الشفقة بالآخرين أن يكون لدى العاملين في قطاع الرعاية الصحية والطبيعة حساسية وقدرة على إدراك آلام ومعاناة الآخرين.

ب‌- تتضمن الرقة والرأفة بالآخرين والشفقة بهم والتراحم معهم التأثر بمعاناة الآخرين بحيث يندفع العاملون في قطاع مهن تقديم الخدمات الطبية والصحية نحو التجاوب مع آلام ومتاعب الآخرين من قلبهم وبتلقائية وتواد ومن ثم تقديم تدخلات علاجية قائمة على التفهم والذوق والرقة واللطف والشفقة بفهم في ضوء إعلاء مشاعر الدفء والاهتمام والرغبة الأصيلة في المساعدة مع جعل ذلك أسلوب حياة يومية كمحدد أساسي لأن تكون طبيبًا أو ممرضًا أو مسعفًا راقيًا إنسانيًا وعظيمًا.

والسؤال الأساسي كيف تفعل كل ذلك بتلقائية ويسر وتواد ورقة؟ تتمثل الإجابة ببساطة أن يتوافر لديك مستوى مرتفع وسوي من “الشفقة بالذات” فقد يصعب على من يفتقد إلى الشفقة بذاته أن يمارس مستلزمات الشفقة بالآخرين.

ويعني ذلك أن تتعامل مع ذاتك بطريقة إيجابية قائمة على التصالح والتسامح مع الذات وتقبلها والتواد معها خاصة في أوقات الشدائد وأن تتصف بالحساسية والوعي بانفعالاتك ومشاعرك وأن لا تتجاهل ما قد يعتريك من آلام بل أن تقبلها وتتفهما وتجتهد في التغلب عليها، علاوة على حتمية تجنب نقد الذات أو التطلع إلى الكمالية والإتقان المطلق في كل شيء بل أن تعتبر نفسك شأنك شأن غيرك من كل البشر عرضة للخطأ والنقص والقصور وارتكاب الأخطاء والتعرض للإخفاقات والأهم أن تتعامل مع كل ذلك برغبة في التجاوز والتصويب.

الصفحات: 1 2 3 4 5 6

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم